إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

بين يدي رمضان ... موضوع متكامل عن الشهر الكريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • بين يدي رمضان ... موضوع متكامل عن الشهر الكريم

    مفكرة الإسلام: الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة، بما دفع عنهم من كيد الشيطان ؛ إذ جعل الصوم حصناً لأوليائه وجُنَّة، وفتح لهم به أبواب الجنة، وصلى الله على عبده ورسوله محمد قائد الغُرِّ المُحجَّلين ومُمَهِّد السُّنَّة، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
    فإن حكمة الله اقتضت أن يجعل هذه الدنيا مزرعةً للآخرة، وميداناً للتنافس، ومن فضله وكرمه أن يجزي على القليل كثيراً، ويضاعفَ الحساب، ويجعلَ لعباده مواسم تعظم فيها هذه المضاعفة, فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرَّب فيها إلى مولاه بما أمكنه من وظائف الطاعات، عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات، قال الحسن رحمه الله في قول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [سورة الفرقان: 62]، قال: ' من عجز بالليل كان له من أول النهار مُسْتَعْتَبٌ، ومن عجز بالنهار كان له من الليل مُسْتَعْتَبٌ '؟. ومن أعظم هذه المواسم المباركة وأجلِّها شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن المجيد، ولذا كان حريًا بالمؤمن أن يحسن الاستعداد لهذا القادم الكريم، ويتفقه في شروط ومستحبات وآداب العبادات المرتبطة بهذا الموسم الحافل؛ لئلا يفوته الخير العظيم, ولا ينشغل بمفضول عن فاضل، ولا بفاضل عما هو أفضل منه.
    التأهب والاستبشار بقدوم رمضان
    إن أول الآداب الشرعية بين يدي رمضان: أن تتأهب لقدومه قبل الاستهلال، وأن تكون النفس بقدومه مستبشرة، وأن تستشرف لنظره استشرافها لقدوم حبيب غائب من سفره؛ إذ أن التأهب لشهر رمضان والاستعداد لقدومه من تعظيم شعائر الله القائل: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [سورة الحـج: 32].
    يفرح المؤمنون بقدوم شهر رمضان ويسبشرون، ويحمدون الله أن بلَّغهم إياه، ويعقدون العزم على تعميره بالطاعات، وزيادة الحسنات، وهجر السيئات، وأولئك يبشَّرون بقول الله: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [سورة يونس: 58]. وذلك لأن محبة الأعمال الصالحة والاستبشار بها فرع عن محبة الله عز وجل، فترى المؤمنين متلهفين مشتاقين إلى رمضان، تحن قلوبهم إلى صوم نهاره، ومكابدة ليله بالقيام والتهجد بين يدي مولاهم، وتراهم يمهدون لاستقبال رمضان بصيام التطوع خاصة في شعبان .
    باع قوم من السلف جارية لهم لأحد الناس، فلما أقبل رمضان أخذ سيدها الجديد يتهيأ بألوان المطعومات والمشروبات لاستقبال رمضان – كما يصنع كثير من الناس اليوم – فلما رأت الجارية ذلك منهم قالت: ' لمـاذا تصنعون ذلك؟ '، قالوا: ' لاستقبال شهر رمضان '، فقالت: ' وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟ والله لقد جئت من عند قوم السَّنَةُ عندهم كأنها كلَّها رمضان، لا حاجة لي فيكم، رُدُّوني إليهم'، ورجعت إلى سيدها الأول .
    من فضائل الصوم
    سمع المؤمنون قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي)) رواه البخاري ومسلم ؛ فعلموا أن الامتناع عن الشهوات لله عز وجل في هذه الدنيا سبب لنيلها في الآخرة، كما أشار إلى ذلك مفهوم قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ)) رواه البخاري ومسلم.
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبو موسى على سرية في البحر، فبينما هم كذلك، قد رفعوا الشراع في ليلة مظلمة، إذا هاتف فوقهم يهتف: 'يا أهل السفينة ! قفوا أخبركم بقضاء الله على نفسه' فقال أبو موسى :' أخبرنا إن كنت مخبراً '، قال:'إن الله تبارك وتعالى قضى على نفسه أنه من أعطش نفسه له في يوم صائف، سقاه الله يوم العطش' رواه البزار، وحسنه المنذري، وفي رواية:' فكان أبو موسى يتوخى اليوم الشديد الحر الذي يكاد الإنسان ينسلخ فيه حراً فيصومه'رواه ابن أبي الدنيا.
    وعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ)) رواه البخاري ومسلم .
    وعَنْ جَابِرٍ، قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: ((آمِينَ آمِينَ آمِينَ))، قَالَ: ((أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ، فَمَاتَ، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَمَاتَ، فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأُدْخِلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ)) رواه الطبراني في ' الكبير'، وصححه الألباني.
    فهل تعجب أخي المؤمن أن جبريل ملك الوحي يدعو في هذا الحديث، ثم يؤمِّن الصادق صلى الله عليه وسلم على دعائه؟! وأي عجب ورمضان فرصة نادرة ثمينة فيها الرحمة والمغفرة، ودواعيها متيسرة، والأعوان عليها كثيرون، وعوامل الفساد محدودة، ومردة الشياطين مصفَّدون، ولله عتقاء في كل ليلة، وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، فمن لم تنله الرحمة مع كل ذلك فمتى تناله إذن ؟!، ولا يهلك على الله إلا هالك، ومن لم يكن أهلاً للمغفرة في هذا الموسم ففي أي وقت يتأهل لها؟! ومن خاض البحر اللجاج ولم يَطَّهَّرْ فماذا يطهره ؟! .
    ماذا يحدث في أول ليلة من رمضان؟
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ)) رواه الترمذي وابن ماجه.
    إن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هديه في هذا الموضع المبادرة إلى تذكير الناس ببركات هذا الموسم العظيم، فقد قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه في أول ليلة من رمضان: ((أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ)) رواه النسائي وحسنه الألباني.
    كيف يستقبل باغي الخير رمضان؟
    أولاً: بالمبادرة إلى التوبة الصادقة، المستوفية لشروطها، وكثرة الاستغفار، قال الله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [سورة التحريم: 8] .
    ثانياً: بتعلم ما لابد منه من فقه الصيام، أحكامه وآدابه، والعبادات المرتبطة برمضان من اعتكاف وعمرة وزكاة فِطر، وغيرها، قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)).
    ثالثاً: عقد العزم الصادق والهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة، قال تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [ سورة محمد: 21]، وقال جلا وعلا: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً} [سورة التوبة: 46 ]، وتحري أفضل الأعمال فيه وأعظمها أجراً .
    رابعاً: استحضار أن رمضان- كما وصفه الله عزَّ وجلَّ- أيام معدودات، سرعان ما يولي، فهو موسم فاضل، ولكنه سريع الرحيل، واستحضار أن المشقة الناشئة عن الاجتهاد في العبادة تذهب أيضاً، ويبقى الأجر، وشَرْحُ الصدر، فإن فرط الإنسان ذهبت ساعات لهوه وغفلته، وبقيت تبعاتها وأوزارها .
    خامساً: الاجتهاد في حفظ الأذكار والأدعية المطلقة منها والموظفة، خصوصاً الوظائف المتعلقة برمضان؛ استدعاءً للخشوع وحضور القلب، واغتناماً لأوقات إجابة الدعاء في رمضان، والاستعانة على ذلك بدعاء: ((اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ)) رواه أبودلود والنسائي وأحمد.
    وهاك الأذكار الثابتة المتعلقة بوظائف رمضان:
    ما يقول إذا رأى الهلال- هلال أيِّ شهر، ولا يختص برمضان-: ((اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ)) رواه الترمذي وأحمد والدارمي .
    ـ وإذا صام، فلا يرفث، ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: ((إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ)) رواه البخاري ومسلم .
    ماذا يقول عند الإفطار؟
    ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ)) رواه البيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني .
    ـ وأفضل الدعاء الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يقول إذا أفطر: ((ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ)) رواه أبوداود وحسنه الألباني.
    سادساً: الاستكثار من الأعمال الصالحات، فإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن ذلك :
    [1] صيام شعبان: استعداداً لرمضان، فعن أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- قالت: ' مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ' رواه البخاري ومسلم.
    [2] تلاوة القرآن الكريم: فإن رمضان هو شهر القرآن فينبغي أن يكثر العبد المسلم من تلاوته وحفظه، وتدبره، وعرضه على من هو أقرأ منه . كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، وعارضه في عام وفاته مرتين، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن الكريم كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقبل على تلاوة المصحف . وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة، وأقبل على قراءة القرآن، قال الزهري: ' إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام ' .
    قال الحافظ ابن رجب رحمه الله : ' وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقلَّ من ثلاث على المدوامة على ذلك، فأما الأوقات المفضلة – كشهر رمضان – خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر – أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم' .
    [3] قيام رمضان: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَغِّبُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) رواه البخاري ومسلم.
    وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من قضاعة، فقال: يا رسول الله ! أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة؟' فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا كَانَ مِنْ الصِّدّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد:'رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا شيخي البزار، وأرجو إسناده أنه إسناد حسن أو صحيح' .
    [4] الصدقة: فقد ' كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ' رواه البخاري ومسلم.
    ومن صور الصدقة: إطعام الطعام، وتفطير الصوام، قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا)) رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي.
    فإن عجز عن عَشائه فطَّره على تمرة أو شربة ماء أو لبن، وقال صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)) رواه البخاري ومسلم. قال بعض السلف: 'لأن أدعو عشرة من أصحابي، فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إليَّ من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل ' . وكان كثير من السلف يُؤثِر بفطوره وهو صائم، منهم عبد الله بن عمر، وداود الطائي، ومالك بن دينار، وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه، فلم يفطر في تلك الليلة . وكان من السلف من يطعهم إخوانه الطعام وهو صائم، ويجلس يخدمهم، منهم الحسن وابن المبارك، وقال أبو السوار العدوي:' كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد، فأكله مع الناس وأكل الناس معه'، قال الإمام الماوردي رحمه الله: ' ويستحب للرجل أن يوسع على عياله في شهر رمضان، وأن يحسن إلى أرحامه وجيرانه، لا سيما في العشر الأواخر منه ' .
    [5] المكث في المسجد بعد صلاة الفجر: فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ)) رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني. فعلى المرء أن يجمع همته ليغتنم هذا الزمان الشريف، ولا يضيره انصراف أكثر الناس عن هذه السُّنَّة، بل الحازم ينظر في أمر الدين إلى من هو فوقه، ومن هو أنشط منه: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [سورة المطففين: 26]. وقد يُحرم المرء من هذه السُّنَّة الجليلة لإفراطه في السهر أو السمر بعد العشاء .
    [6] الاعتكاف: فقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً .
    [7] العمرة: فعن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: ((مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟)) قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلا نَاضِحَانِ فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ، قَالَ: ((فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً)) وفي رواية: ((فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي)) رواه البخاري ومسلم .
    [8] تحري ليلة القدر: التي قال تعالى في شأنها: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[1] وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ[2] لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [سورة القدر: 1ـ 3] . وعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) رواه البخاري ومسلم . وكان صلى الله عليه وسلم يتحرى ليلة القدر، ويأمر أصحابه بتحريها، وكان يعتكف لذلك، وكان يوقظ أهله في ليالي العشر رجاء أن يدركوها .
    [9] الإكثار من النوافل بعد الفرائض: كالسُّنن القبلية والبعدية، وصلاة التسبيح، والضحى، والذكر والاستغفار، والدعاء خصوصاً في أوقات الإجابة، وعند الإفطار، وفي ثلث الليل الآخر، وفي الأسحار، وساعة الإجابة يوم الجمعة .
    [10] المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد: والاجتهاد في تطبيق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ)) رواه الترمذي وحسنه الألباني. قال سعيد بن المسيب: ' من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة ؛ فقد ملأ البر والبحر عبادةً ' .
    فهذه إلمامة عجلى ببعض مظاهر الخير الذي ينادي من يقصده وينويه في أول ليلة من رمضان: ((يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ)).
    من محاضرة:'بين يدي رمضان' للشيخ/ محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدَّم .


  • #2
    خطبة للشيخ بن عثيمين رحمه الله عن تعظيم شهر رمضان بالصيام فيه والإكثار من الطاعات
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا. أما بعد :
    أيها الناس فلقد أظلكم شهر كريم وموسم عظيم أعطيت فيه هذه الأمة خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم قبلهم
    • خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وخلوف فم الصائم هي الرائحة الكريهة التي تخرج من المعدة عند خلوها من الطعام هذه الرائحة أطيب عند الله من ريح المسك
    • وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا
    • ويزين الله كل يوم جنته فيقول يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك
    • وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره
    • ويغفر لهم في أخر ليلة منه إنه شهر رمضان من صامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ومن قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه
    فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قالقال الله عز وجلكل عمل بن أدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)
    والصوم جنة- يعني وقاية من الإثم والنار- فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه أما فرحه عند فطره)
    فيفرح بنعمتين:
    أولاهما: نعمة الله عليه بالصيام وقد أضل عنه كثيرا من الناس
    والثانية :نعمة الله عليه بإباحة الأكل والشرب والنكاح وما كان ممنوعاً منه في الصيام
    وأما فرحه عند لقاء ربه فيفرح بما يجده من النعيم المقيم في دار السلام .
    وفي صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قالإن في الجنة باب يقال له الريان يدخل منه الصائمون لا يدخله غيرهم فإذا دخلوا أغلق ولم يفتح لغيرهم ) اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الداخلين فيه، اللهم اجعلنا من الداخلين فيه، اللهم اجعلنا من الداخلين فيه،
    وقال النبي صلى الله عليه وسلمثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين )
    عباد الله :اغتنموا شهر رمضان بكثرة العبادة وكثرة الصلاة والقراءة والإحسان إلى الخلق بالمال والبدن والعفو عنهم فإن الله يحب المحسنين ويعفو عن العافين
    واستكثروا فيه من أربع خصال:
    اثنتان ترضون بهما ربكم واثنتان لا غنى لكم عنهما
    فأما اللتان ترضون بهما ربكم :فشهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار
    وأما اللتان لا غنى لكما عنهما فتسألون الله الجنة وتستعيذون به من النار
    عباد الله: احفظوا صيامكم عن النواقص والنواقض احفظوه عن اللغو والرفث وقول الزور كل قول محرم وعمل الزور كل عمل محرم فمن لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه
    ومن لم يحفظ صيامه عن ما حرم الله فيوشك أن لا يكون له من صيامه إلا الجوع والظمأ
    اجتنبوا الكذب والفحش والغش والخيانة اجتنبوا الغيبة والنميمة اجتنبوا الأغاني المحرمة واللهو المحرم فعلاً وسماعا فإن كل هذه من منقصات الصيام
    قوموا بما أوجب الله عليكم من الصلاة في أوقاتها وأداءها مع الجماعة قوموا بالنصيحة للمؤمنين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن الحكمة من الصيام التقوى يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
    اجتهدوا أيها المسلمين في قراءة القرآن فإنه كلام الله عز وجل لكم الشرف في تلاوته والأجر ولكم بالعمل به الحياة الطيبة وطيب الذكر ولكم بكل حرف منه عشر حسنات
    وإذا مررتم بآية السجدة فاسجدوا في أية ساعة من ليل أو نهار كبروا عند السجود وقولوا في السجود سبحان ربي الأعلى وادعوا بما شئتم إن تيسر لكم معرفة ما ورد في ذلك فادعوا به وإلا فادعوا بأي دعاء مناسب ثم قوموا من السجود بلا تكبير ولا سلام إلا إذا سجدتم في الصلاة فلابد من التكبير عند السجود وعند النهوض
    أيها المسلمون احرصوا على تلاوة كتاب الله واسمعوا إلى قول الله عز وجل: (الر* كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) ... (اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)
    اللهم ارزقنا اغتنام الأوقات بالأعمال الصالحة اللهم احفظنا عن الأعمال السيئة اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه يا رب العالمين اللهم حقق لنا ما نرجوه من المصالح في الدنيا والآخرة اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب والحمد لله رب العالمين وأصلى وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
    قل للطبيب تخطفته يد الردى ... يا شافي الأمراض: من أرداكا؟

    تعليق


    • #3
      خطبة أخرى للشيخ بن عثيمين رحمه الله عن أحكام الصيام والقيام في شهر رمضان
      بسم الله الرحمن الرحيم
      إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما .
      أما بعد : فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأعلموا أن الله خلقكم لعبادته كما قال الله عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)
      وقد بين الله لكم طريق عبادته ومن عليكم بمواسم الخير تتكرر عليكم وتتوالى بما فيها من الفضائل والمكارم وعظيم الأجور فعظموا رحمكم الله هذه المواسم وأقدروها حق قدرها بفعل الطاعات والقربات واجتناب المعاصي والموبقات فإن الله لم يجعل هذه المواسم إلا لتكفير سيئاتكم وزيادة حسناتكم ورفعة درجاتكم
      أيها الناس إن من المواسم العظيمة التي ينبغي للإنسان أن ينتهز فرصها بطاعة الله ذلكم الشهر الكريم شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن شهر الخير والبركات والرحمة هذا الشهر جعله الله تعالى ميداناً للتسابق إلى الخيرات فإنه شهر تضاعف فيه الحسنات وتعظم فيه السيئات جعل الله صيام نهاره فريضة وقيام ليله تطوعا لتكميل فرائضكم من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ومن قامه إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه ومن أتى فيه بعمرة كان كمن أتى حجه فيه تفتح أبواب الجنة وتكثر الطاعات من أهل الإيمان وتغلق أبواب النار فتقل المعاصي من أهل الخير و تغل فيه الشياطين فلا يخلصون إلى أهل الإيمان بمثل ما يخلصون إليهم في غيره
      أيها الناس صوموا لرؤية هلال رمضان ولا تقدموا عليه بصوم يوم أو يومين لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين) إلا إذا كان على الإنسان قضاء من رمضان الماضي فليقضه أو كان له عادة بصوم فليصمه فإذا كان للإنسان عادة أن يصوم يوم الاثنين وصادف أن يكون قبل رمضان بيوم أو يومين فلا حرج عليه أن يصومه وكذلك من كان يصوم من الشهر ثلاثة أيام فلم يتيسر له أن يصومها إلا في أخر شعبان فلا حرج عليه في ذلك
      ولا تصوموا يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا كان في ليلته ما يمنع رؤية الهلال من غيم أو قتر ففي صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قاللا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين )
      ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، (فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)
      وقال عمار بن ياسر رضي الله عنه: ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبي القاسم صلى الله عليه وسلم)
      ومن رأى الهلال يقيناً فليخبر به ولاة الأمور ولا يكتمه
      وإذا أعلن في الإذاعة السعودية ثبوت رمضان فصوموا وإذا أعلن فيها ثبوت شوال فأفطروا لأن الإعلان من جهة ولاة الأمور حكم بذلك
      جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه رأى الهلال فقال له النبي صلى الله عليه وسلمأتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) قال نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلمفأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غداً )
      وصوم رمضان أحد أركان الإسلام فرضه الله على عباده فمن أنكر فرضيته وقال إني مخير بين الصوم وعدم الصوم فهو كافر مرتد لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
      وقال الله عز وجل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)
      فالصوم واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم ذكراً كان أم أنثى غير الحائض والنفساء فلا يجب الصوم على كافر فلو أسلم في أثناء رمضان لم يلزمه قضاء ما مضى ولو أسلم في أثناء اليوم من رمضان أمسك بقية اليوم ولم يلزمه قضاءه ولا يجب الصوم على صغير لم يبلغ لكن إن كان لا يشق عليه أمر به ليعتاده فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصومون أولادهم الصغار حتى إن الصبي ليبكي من الجوع فيعطونه لعبةً يتلهى بها إلى الغروب
      ويحصل بلوغ الصغير إن كان ذكراً بواحد من أمور ثلاثة
      • أن يتم له خمس عشرة سنة
      • أو تنبت عانته
      • أو ينزل منياً بشهوة باحتلام أو غيره
      • وتزيد الأنثى بأمر رابع وهو الحيض
      فمتى حصل للصغير واحد من هذه الأمور فقد بلغ ولزمته فرائض الله وغيرها من أحكام التكليف إذا كان عاقلاً
      • وهنا نقف لننبهكم على أن بعض النساء تبلغ بالحيض وهي صغيرة فقد تحيض لإحدى عشر سنة ولكنها لا تصوم إما لجهلها أو لجهل أهلها وعلى هذا فيجب البحث عن هذا الأمر ونشره بين الناس حتى يعرف لأن السؤال عنه كثير فإن بعض النساء تحيض وهي في الحادية عشرة أو في الثانية عشرة وتظن هي أو أهلها أنه لا يجب عليها الصوم حتى تبلغ خمس عشرة سنة وهذا خطأ فمتى حاضت ولو لتسع سنين وجب عليها الصوم لأنها صارت مكلفة
      • ولا يجب الصوم على من لا عقل له كالمجنون والمعتوه ونحوهما وعلى هذا المُهذري لا يلزمه الصوم ولا الإطعام عنه ولا الطهارة ولا الصلاة لأنه فاقد للتميز فهو بمنزلة الطفل
      • ولا يجب الصوم على من يعجز عنه عجزاً دائماً كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه ولكنه يطعم بدلاً عن الصيام عن كل يوم مسكين بعدد أيام الشهر لكل مسكين خمس صاع من البر أي أن الصاع المعروف عندنا هنا يكفي لخمسة فقراء عن خمسة أيام
      والأحسن أن يجعل مع الطعام شيئاً يأدمه من لحم أو دهن ويجزئ عن البر الرز بل هو خير منه في بعض الأحوال
      • وأما المريض بمرض يرجى برؤه:
      • فإن كان الصوم لا يشق عليه ولا يضره وجب عليه أن يصوم لأنه لا عذر له
      وإن كان الصوم يشق عليه ولا يضره فإنه يفطر ويكره له أن يصوم
      وإن كان الصوم يضره فإنه يحرم عليه أن يصوم
      ومتى برئ من مرضه قضى ما أفطر فإن مات قبل برئه فلا شيء عليه
      والمرأة الحامل التي يشق عليها الصوم لضعفها أو ثقل حملها يجوز لها أن تفطر ثم تقضى إن تيسر لها القضاء قبل وضع الحمل أو بعده إذا طهرت من النفاس والمرضع التي يشق عليها الصوم من أجل الرضاع أو ينقص لبنها بالصوم نقصاً يخل بتغذية الولد تفطر ثم تقضي في أيام لا مشقة فيها ولا نقص على الولد
      وأما المسافر فإن قصد بسفره التحيل على الفطر فالفطر حرامٌ عليه ويجب عليه الصوم حتى في سفره لأن هذا سفر لا تستباح به الرخص وإن لم يقصد بسفره التحيل على الفطر فهو مخير إنشاء صام وإنشاء أفطر وقضا عدد الأيام التي أفطر والأفضل له فعل الأسهل عليه فإن تساوى عنده الصوم والفطر فالصوم أفضل لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أسرع في إبراء ذمته ولأنه أخف من القضاء غالباً
      فإن كان الصوم يشق عليه بسبب السفر كره له أن يصوم
      وإن عظمت المشقة واشتدت حرم أن يصوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فقيل له إن الناس قد شق عليهم الصيام وإنما ينظرون فيما فعلت فدعا صلى الله عليه وسلم بقدح من ماء بعد العصر فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب والناس ينظرون فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام فقال: (أولئك العصاة أولئك العصاة)
      أيها المسلمون أتدرون متى كان سفر النبي صلى الله عليه وسلم هذا؟؟
      إنه كان سفره في فتح مكة وقد فتحها النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الشهر قيل في اليوم العشرين من الشهر وبقي مفطراً في مكة عشرة أيام بقية الشهرلم يصم صلى الله عليه وسلم
      وبهذا نعرف أن ما يتكلفه بعض الناس إذا ذهبوا للعمرة تجد الصوم يشق عليهم في مكة ومع ذلك يصومون وهذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم فوالله ما هم أشد حباً للطاعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا هم أكمل هدي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لم يصم في مكة في العشر الأواخر في رمضان بل ترك الصوم لأن الفطر كان في ذلك الوقت أيسر له وعلى هذا فإذا وصل الإنسان إلى مكة وهو معتمر وكان يشق عليه أن يؤدي العمرة وهو صائم قلنا له أفطر ولو في أثناء اليوم وأدي العمرة براحة وقد وسع الله عليك فلا تشق على نفسك
      أيها المسلمون إنه لا فرق في المسافر بين أن يكون سفره عارضاً لحاجة أو مستمراً في غالب الأحيان مثل أصحاب سيارات الأجرة التكاسي أو غيرها من السيارات الكبيرة فإنهم متى خرجوا من بلدهم فهم مسافرون يجوز لهم ما يجوز للمسافرين الآخرين من الفطر في رمضان وقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين والجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء عند الحاجة
      والفطر لهم أفضل من الصيام إذا كان الفطر أسهل لهم ويقضونه في أيام الشتاء لأن أصحاب هذه السيارات لهم بلد ينتمون إليها وأهل فيها يأوون إليهم فمتى كانوا في بلدهم فهم مقيمون وإذا خرجوا منها فهم مسافرون لهم ما للمسافرين وعليهم ما على المسافرين ومن سافر في أثناء اليوم في رمضان وهو صائم فالأفضل أن يتم صومه فإن وجد مشقة فليفطر ثم يقضيه بعد ذلك ولا يتقيد السفر بزمن فمتى خرج من بلده مسافراً فهو على سفر حتى يرجع إلى بلده ولو أقام مدةً طويلة إلا أن يقصد بتطويل مدة الإقامة التحيل على الفطر فإنه يحرم عليه الفطر ويلزمه الصوم لأن فرائض الله لا تسقط بالتحيل عليها ولا يجب الصوم على الحائض والنفساء ولا يصح منهما إلا أن تطهرا قبل الفجر ولو بلحظة فيجب عليهما الصيام ويصح منهما وإن لم تغتسلا إلا بعد طلوع الفجر ويلزمهما قضاء ما افطرتاه من الأيام
      أيها المسلمون هذه جملة من أحكام الصوم وإذا كان الناس في رمضان يصومون ويقومون فإن من المهم أن تبين أحكام القيام في هذا الشهر المبارك فلقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام هذا الشهر وقالمن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)
      وإن صلاة التراويح من قيام رمضان فأقيموها وأحسنوها وقوموا مع إمامكم حتى ينصرف فإن من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة تامة وإن كان نائماً على فراشه
      وإن على الأئمة أن يتقوا الله عز وجل في هذه التراويح فيراعوا من خلفهم ويحسنوا الصلاة لهم فيقيموها بتأني وطمأنينة ولا يسرعوا فيها فيحرموا أنفسهم ومن ورائهم الخير أو ينقروها نقر الغراب لا يطمئنون في ركوعها ولا سجودها ولا قيامها ولا قعودها إن على الأئمة أن لا يكون هم الواحد منهم أن يخرج قبل الناس أو أن يكثر عدد التسليمات دون إحسان الصلاة فإن الله يقول لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ولم يقل أيكم أسرع نهاية أو أكثر عملاً بلا إحسان وقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم وهو احرص الناس على الخير والأسوة الحسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر كان لا يزيد على إحدى عشر ركعة لا في رمضان ولا في غيره ولكنه يطيل ذلك وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل ثلاثة عشر ركعة
      فمن صلى التراويح إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة ركعة فلا حرج عليه
      وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام بأصحابه في رمضان ثم ترك ذلك خشية أن تفرض على الناس فيعجزوا عنها وصح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر أبي بن كعب وتميم الداري أن يقوما في الناس بإحدى عشرة ركعة فهذا العدد الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه واتبعه فيه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أفضل عدد تصلى به التراويح ولكن ينبغي أن يطيل الإنسان فيها حتى يتمكن الناس من الدعاء ولو زاد الإنسان على هذا العدد رغبة في الزيادة لا رغبة عن السنة لم ينكر عليه لورود ذلك عن بعض السلف وإنما المنكر الإسراع الفاحش الذي يفعله بعض الأئمة فيفوتوا الخير على نفسه وعلى من خلفه اللهم إنا نسألك أن توفقنا جميعاً لاغتنام الأوقات بالطاعات وأن تحمينا من فعل المنكر والسيئات، اللهم أهدنا صراطك المستقيم وجنبنا صراط أصحاب الجحيم،اللهم اجعلنا ممن يصوم رمضان ويقومه إيماناً بك واحتساباً لثوابك إنك جواد كريم والحمد لله رب العالمين وأصلى وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
      قل للطبيب تخطفته يد الردى ... يا شافي الأمراض: من أرداكا؟

      تعليق


      • #4
        خطبة أخرى للشيخ بن عثيمين رحمه الله عن الحلال والحرام في الصيام و الإكثار من قراءة القرآن في شهر رمضان
        الحمد لله الذي بين لعباده الحرام والحلال وحد لهم حدودا بينة المعالم لا غموض فيها ولا إشكال وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أهدى الخلق في المقال والفعال صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقب الأيام والليال وسلم تسليما . أما بعد :
        فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى فإن الله تعالى إنما خلقكم لتعبدوه كما قال الله عز وجل ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)
        اشكروا الله عز وجل على ما أبان لكم من معالم الدين والتزموا طاعة الله وسيرة النبيين والمرسلين فإن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها إلا وإن من ما حده الله وأوضحه وأبانه وأظهره ذلكم الصوم الذي هو أحد أركان الإٍسلام فقد بين الله تعالى ابتداءه وانتهاءه شهريا وابتداءه وانتهاءه يوميا بين ذلك في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )
        وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين ) وقال الله تعالى ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) الخيط الأبيض بياض النهار والخيط الأسود سواد الليل وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه (كلوا وأشربوا حتى تسمعوا أذان أبن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر وقال إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب فقد أفطر الصائم ) فمتى شاهد الإنسان الفجر المعترض في الأفق أو سمع المؤذن الثقة الذي لا يؤذن حتى يطلع الفجر وجب عليه الإمساك ومتى شاهد قرص الشمس غائباً في الأفق ولو كان شعاعها باقياً في السماء أو سمع المؤذن الثقة الذي لا يؤذن حتى تغرب الشمس حل له الفطر وإن من المؤسف حقاً أن بعض المسلمين يقوم متأخراً وهو يعلم أنه متأخراً فيذهب فيشرب ماءً أو يشرب لبناً لأنه لا يرى أنه يمسك بدون أكل أو شرب وهذا تهاون بحدود الله عز وجل وانتهاك لحرماته فالإنسان قام وقد طلع الفجر فإنه لا يحل له أن يأكل شيئاً ولا يشرب شيئاً بل يمسك على ريقه ثم إن شق عليه الصوم في النهار وخاف على نفسه الضرر فله أن يفطر أما أن يأكل وهو يعلم أن الفجر طالع فإن هذا حرام عليه ويلزمه أن يمسك ذلك اليوم ويلزمه قضاؤه ويلزمه التوبة إلى الله عز وجل
        أيها المسلمون إن الصوم هو الإمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن المفطرات والمفطرات أنواع سبعة:
        الأول الجماع وهو أعظم المفطرات وأشدها وفيه الكفارة المغلظة إذا حصل في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر فيهما يوم واحد إلا من عذر فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا والمرأة مثله إذا كانت مطاوعة ولم تمتنع أما إذا امتنعت فأكرهها وهي لا تستطيع المدافعة فإنه لا شيء عليها ليس عليها قضاء ولا كفارة إننا نقول إذا حصل الجماع في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم ففيه الكفارة
        أما من لا يجب عليه الصوم كما لو جامع الإنسان زوجته وهو مسافر صائم إنه لا كفارة عليه لأن المسافر الصائم يجوز له أن يفطر في الأكل والشرب والجماع
        الثاني من المفطرات إنزال المني بشهوة بتقبيل أو لمس أو ضم أو استمناء أو غير ذلك
        فأما إنزال المني بالاحتلام فأنه لا يفطر لأنه من نائم والنائم لا اختيار له
        الثالث الأكل والشرب وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى جوفه سواء كان الطعام أو الشراب حلالاً أم حراماً فالحلال كالخبز مثلاً والماء والحرام كالدخان فإنه مفطر وسواء كان الأكل نافع أم غير نافع وسواء كان عن طريق الفم أم عن طريق الأنف لقول النبي صلى الله عليه وسلم (بالغ في الاستنشاق ) يعني حال الوضوء ( إلا أن تكون صائماً ) فدل هذا على أن الداخل من الأنف كالداخل من الفم فأما شم الروائح فلا يفطر لأنه ليس للرائحة جرم يصل إلى الجوف وأما استنشاق البخور فلا يستنشقه الصائم لأن البخور دخان له أجزاء تتطاير إلى جوفه إذا أستنشقه
        أما الروائح التي ليس لها أجزاء فأنه لا بأس أن يستنشقها
        الرابع ما كان بمعنى الأكل والشرب مثل الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الطعام والشراب لأنها بمعنى الطعام والشراب فأما الإبر غير المغذية فإنها لا تفطر سواء أخذها للتداوي أم لتنشيط الجسم وسواء أخذها مع العرق أم مع العضلات لأنها ليست بمعنى الأكل والشرب والأصل بقاء الصيام حتى يثبت ما يفسده بنص أو إجماع أو قياس صحيح ولا حرج عليه إذا وجد طعم الإبرة في حلقه لأن ذلك لا يكون أكلاً ولا شربا
        الخامس إخراج الدم بالحجامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أفطر الحاجم والمحجوم ) فأما أخذ الدم من البدن للتحليل فإنه لا يفطر لأنه يسير لا يؤثر على البدن تأثير الحجامة ولا يفطر خروج الدم بالرعاف ولو كثر لأنه بغير اختياره
        ومثل ذلك لو خرج الدم من جرح سكين أو زجاجة أو حادث ولو كان كثيراً فإنه لا يفطر لأنه بغير اختياره ولا يفطر خروج الدم من قلع السن أو الضرس لكن لا يبلع الدم لأن بلع الدم حرام على الصائم وغيره
        فإن وصل شيء من الدم إلى جوفه بغير اختياره فلا حرج عليه ولا يفطر بشق الجرح لإخراج المادة منه ولو خرج الدم معها لأن ذلك يسير لا أثر له فأما سحب الدم من شخص ليحقن في شخص آخر فإن كان كثيراً إي إن كان الدم المسحوب كثيراً فإنه يفطر لأنه يؤثر على البدن كما تؤثر الحجامة وعلى هذا فلا يحل لمن صومه واجب أن يمكن من سحب الدم الكثير منه إلا أن يكون لشخص مضطر لا يمكن صبره إلى الغروب فإنه حينئذٍ يجوز أن يمكن من سحب الدم منه لهذا المضطر لأن دفع ضرورة المعصوم واجب وفي هذه الحال يفطر ويأكل ويشرب بقية يومه ويقضي يوماً مكانه لأن الإنسان إذا أفطر بسبب مباح فله أن يأكل بقية يومه ولا حرج عليه
        السادس: القيء وهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب فإن خرج القيء بنفسه بلا تعمد فلا حرج لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من ذرعه القيء إي غلبه فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض) وهذه المفطرات الستة لا تفطر الصائم إلا إذا فعلها عالماً ذاكراً مختارا فإن فعلها جاهلاً لم يفطر سواء كان جاهلاً بالحكم أم جاهلاً بالوقت فمن أكل مثلاً يظن أن الفجر لم يطلع وتبين له أنه قد طلع أو أكل يظن أن الشمس قد غربت وتبين له أنها لم تغرب فإن صومه صحيح ولا قضاء عليه لقول الله تعالى ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ولقوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس) ولم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء فلو كان القضاء واجباً لأمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم ولو أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم لنقل إلى الأمة لأنه من الشرع الذي تكفل الله ببيانه وأوجب على رسوله صلى الله عليه وسلم تبليغه لكن متى علم أنه في نهار وجب عليه أن يمسك فإن أستمر بعد علمه بطل صومه
        ومن أتى شيئاً من المفطرات ناسياً فصومه تام ولا قضاء عليه للآية التي ذكرناها وهي قوله تعالى ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) لكن متى ذكر أو ذكر وجب عليه أن يمسك حتى الذي في فمه يجب أن يلفظه فإن بلعه بعد أن ذكره بطل صومه ومن رأى صائم يأكل أو يشرب ناسياً فليذكره فإنه من التعاون على البر والتقوى لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا نسيت فذكروني ) فكل من نسي شيئاً واجب عليه أو نسي ففعل شيئاً محرماً عليه وعلم بذلك أخوه فإنه ينبهه على ذلك ومن حصل عليه شيء من المفطرات بغير اختياره فصومه صحيح فلو طار إلى جوفه غبار أو تسرب إليه ماء من المضمضة أو الاستنشاق أو جذب الماء بسبب مباح فوصل إلى جوفه شيء منه بغير اختياره فصومه صحيح ولا قضاء عليه النوع
        السابع : من المفطرات خروج دم الحيض أو النفاس فمتى خرج من المرأة الحيض أو النفاس قبل الغروب ولو بلحظة بطل صومها فإن خرج بعد الغروب ولو بلحظة فصومها صحيح ولا قضاء عليها
        وهنا أقف لأنبه على مسألة شائعة بين النساء يظن بعض النساء إن المرأة إذا حاضت بعد غروب الشمس وقبل أن تصلى المغرب فإن صومها ذلك اليوم يفسد ولكن هذا ليس بصحيح العبرة بخروج دم الحيض قبل الغروب فإذا خرج قبل الغروب بطل صومها وإذا خرج بعد الغروب ولو بلحظة واحدة فإن صومها صحيح ولا قضاء عليها أرجو منكم أن تنبهوا النساء على ذلك
        ويجوز للصائم أن يكتحل بأي كحل شاء
        ويجوز أن يقطر دواء في عينه أو أذنه ولا يفطر بذلك ولو وجد طعمه في حلقه
        ويجوز للصائم أن يداوي جروحه وأن يتطيب بالبخور وغيره لكن لا يستنشق دخان البخور فيصل إلى جوفه
        ويجوز للصائم أن يفعل ما يخفف عنه مشقة الحر والعطش كالتبرد بالماء وبل الثوب ونحوه فقد روى فقد روى مالك عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأي النبي صلى الله عليه وسلم يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر يعني وهو صائم وبل أبن عمر رضي الله عنهما ثوبه وألقاه على بدنه
        ويجوز للصائم أن يتمضمض إذا نشف فمه
        وأن يستاك في أول النهار وأخره بل السواك سنة في حق الصائم وغيره في أول النهار وفي أخره متأكد عند الوضوء والصلاة والقيام من النوم ودخول البيت أول ما يدخل
        فاحفظوا أيها المسلمون صيامكم وحافظوا عليه والتزموا فيه حدود الله غير مغالين ولا مفرطين فإن دين الله تعالى وسط بين الغالي فيه والجافي عنه
        تسحروا فإن في السحور بركة وأخروا السحور فإن تأخيره أفضل
        ولكن أحذروا أن يخرج الفجر وأنتم تأكلون وتشربون فإذا طلع الفجر فأمسكوا وأفطروا إذا غربت الشمس وبادروا بالفطر فلا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأفطروا على رطب فإن لم يكن فتمر فإن لم يكن فماء فأنه طهور فإن لم يكن فعلى أي طعام وشراب حلال
        فإن غربت الشمس وأنت في مكان ليس فيه ما تفطر به فأنوي الفطر بقلبك ولا تفعل ما يقوله بعض الناس لا تمص إصبعك أو تعلك ثوبك كما يظنه بعض العوام فإن هذا لا ينفع
        أيها المسلمون حافظوا على طاعة الله وأكثروا منها في صيامكم واجتنبوا ما حرم الله عليكم من اللغو والرفث وقول الزور والعمل به وإن سابك أحد أو شاتمك فقل إني صائم وأتركه
        أقيموا الصلاة جماعة في المساجد لا تهاونوا بها فتضيعوها
        وأعلموا أن كل واجب ضيعتموه أو محرم فعلتموه فإنه نقص في إيمانكم وصيامكم فتوبوا إلى الله منه
        وابتعدوا عن استماع المعازف الآلات اللهو سواء سمعتموها من الراديو أو من غيره فإن الصوم جنة يتقي بها الصائم من الآثام وينجو بها من النار قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تحفظ علينا ديننا اللهم أحفظ علينا ديننا اللهم زدنا فيه رغبة اللهم ثبتنا عليه اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ربنا هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم صلى وسلم على عبدك ونبيك محمد خاتم النبيين وإمام المتقين وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين ..
        قل للطبيب تخطفته يد الردى ... يا شافي الأمراض: من أرداكا؟

        تعليق

        يعمل...
        X