إن الآذان الصليبية والوثنية شرقية كانت أم غربية يبدو أنها صُمِّت عن سماع النداءات المتكررة لاحترام حقوق ومقدسات البشر جميعًا, وأبت إلا معاداة كل من يصدعون بهذا النداء والنيل منهم كلما سنحت الفرصة وخاصةً المسلمين منهم، والذين يقفون شوكة في حلوق هؤلاء القوم, لذلك دائمًا ما يكشرون عن أنيابهم كما تفعل الذئاب والكلاب الضالة للنيل من كل ما هو إسلامي, فهيا بنا نرى بعض ما يصدر من هؤلاء القوم تجاه الأقليات المسلمة في بلدانهم, وخاصة مع أعظم الرموز التي تمثل المسلمين وهو المسجد.
نبدأ من هولندا حيث تعرض أول مسجد بهولندا الذي يحمل اسم مسجد سلطان أيوب للإغلاق من قبل السلطات الهولندية، وهو مسجد تابع لمسلمي تركيا بالعاصمة الهولندية أمستردام، والذي تم افتتاحه عام1985. واتخذت بلدية أمستردام قرارًا مفاجِئًا بفسخ عقد مسجد السلطان أيوب والصالحة لمدة 5 سنوات مع البلدية، والذي ينتهي في عام 2014م، واتخذت القرار من طرف واحد وأبلغت إدارة المسجد بهذا القرار، في حين أعلن إبراهيم جورماز - رئيس مجلس إدارة مسجد السلطان أيوب - عن عدم قبولهم لفسخ العقد، وبالتالي إغلاق المسجد الذي ظل يقدم خدماته، مضيفًا أنه سيقاضي البلدية أمام القضاء الهولندي.
ثم ننتقل إلى إسبانيا حيث اجتمع عمدة بلدية "بيتوريا" الإسبانية مع أهالي البلدة، على خلفية الموافقة على استصدار رخصة لتوسعة مسجد وشرح لهم أن الفنيين لا يزالون يقيمون الموافقة على رخصة المسجد لتوسيعه. وقرر العمدة أنه على مسجد شارع "تينيرياس14" أن يمتثل للتشريعات والقوانين الحالية الخاصة بتخطيط المدن والبيئة كما يحدث مع باقي المنشآت والمباني في المدينة. أما فيما يتعلق بزيادة عدد المصلين والضوضاء والتهوية وأبواب الطوارئ وغيرها, أعلن العمدة أن تلك المظاهر ستقوم البلدية بمراقبتها ليكون المسجد في إطار الشرعية والقانون في جميع الحالات. وأضاف أن رئيس البلدية قام بإصدار خطاب يقول: إن المسجد يدفع إيجارًا منخفضًا بالمقارنة بالإيجارات الأخرى في المنطقة. ومازلنا في أسبانيا حيث قام أهالي بلدية "أرينيس دي مار" الإسبانية بجمع 350 توقيعًا لمنع إنشاء مسجد، وصرح الأهالي أنهم شعروا بخيبة الأمل لنقص المعلومات من جانب البلدية، كما انتقدوها لعدم تمكينهم من المشاركة في اتخاذ القرارات، كما أظهر الأهالي اهتمامهم بالعواقب التي يمكن أن تؤدي إلى بناء مركز إسلامي في منطقة سكنية. وجدير بالذكر أن الجالية الإسلامية بالبلدية تبحث منذ وقت عن مكان لإنشاء مسجد جديد؛ حيث إن المسجد الحالي - الذي يقع في شارع "إسكولابيس" – صغير ولا يتسع للمصلين. ويبدو أن أسبانيا والتي تعد أحد معاقل الإسلام في عصوره الزاهرة لها النصيب الأفر من عداوة مساجدنا, فقد كان مسجد "أرتيكسو" من أوائل المساجد التي فتحت أبوابها في مدينة "جاليسيا" الإسبانية في عام 2000، وكان يحضر إليه مسلمو "أرتيكسو" وآخرون من أماكن عدة بـ"جاليسيا". ولكن منذ حوالي عام تم إغلاق المسجد، ويرجع السبب في ذلك إلى الحصول على تصاريح وتراخيص للمبنى الذي يقع فيه العقار، والذي حصلت عليه الجالية في فبراير 2011 بعد أن تركوا موقعهم السابق الواقع في "ألتو دي أرتيكسو"، ولكن لم يكن لديهم رخصة لتطوير أنشطتهم، وجدير بالذكر أن الجالية الإسلامية توجه اهتمامها لتنفيذ جميع شروط الحكومة لتتجنب المشاكل التي نشأت مع البلدية السابقة.
وفي صربيا لم تحرك الشرطة الصربية ساكنًا لمنع المتطرفين الصرب من حرق مسجد بلغراد الوحيد, ويعتبر حرق مسجد عمره 400 عام وصمة عار على جبهة صربيا وأوروبا والحضارة الإنسانية. ومازالت محاكمة المعتدين على "جامع بلغراد" - خلال أحداث الشغب التي حدثت عام 2004م – مستمرة؛ حيث تم إحراق الجامع خلال تلك الأحداث. وتم توجيه تهم المشاركة في عملية إحراق الجامع إلى 9 أشخاص، وبدأت المحاكمة في شهر مايو الماضي.
وقد حدثت هذه الواقعة بعد المواجهات التي وقعت في "كوسوفا" من قبل ألبان "كوسوفا" تجاه الصرب، قام الصرب في "بلغراد" بالتجمع والمواجهة مع الشرطة المحلية، رافعين لافتات تدعو إلى "قتل الألبان"، ومن ثم بالتجمع حول الجامع الوحيد في العاصمة الصربية "بلغراد"؛ حيث دخلوا عنوة وقاموا بإحراقه وكسر النوافذ. وفي تلك الليلة تم إحراق مكتبة الجامع بالكامل، وكانت تشتمل على 7 آلاف كتاب تراثي وتاريخي. وفي "صربيا" أيضًا تم إشعال النيران في مسجد "نيكشيتشكا" التاريخي؛ مما ألحق به أضرارًا جسيمة، ويقع مسجد "نيكشيتشكا" في حي "هاجيت" بمدينة "نوفي بزار"، وهي أكبر مدينة في منطقة "السنجق" المعروفة بكثافة السكان المسلمين بها. وكان اللاجئون المسلمون ولاسيما المهاجرين من مدينة "نيكشيتش" الصربية قد بنوه عام 1887، ومنذ ذلك التاريخ يتم ترميم مسجد "نيكشيتشكا" من حين لآخر، إلا أنه تعرض لحريق مفاجئ لسبب غير معلوم حتى الآن، وتفاقم الحريق في فترة قصيرة وتسبب في خسائر بالغة في المسجد من الداخل وبجزء من سقفه، إلا أنه تم إخماد النيران بعد تدخل رجال الإطفاء. وبدأت التحريات لمعرفة سبب نشوب هذا الحريق الذي تسبب في أضرار جسيمة بالمسجد، ويذكر أن هذا المسجد تابع لجماعة "معمر زوكورليتش" مفتي منطقة "السنجق".
أما في بلجيكا فقد تم العثور على رأس خنزير على سور "مسجد شارلروا"، وكذلك كتابات عنصرية؛ مثل: "عودوا إلى بلادكم". ومن جانبها، فقد أدانت الجالية الإسلامية هذا الحادث بشدة، وهو الحادث الرابع من نوعه؛ ففي يوليو الماضي قام مجهولون بتدنيس أحد المساجد بإفساده من الداخل، وفي إبريل 2011 عُثِر على رسومات على حائط "مسجد لودلينسار"، الذي كان تحت الإنشاء، وعُثِر أيضًا على رأس خنزير بالقرب من مسجد آخر وبرفقته كتابات عنصرية. طالب مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير" في مدينة "ديترويت" بولاية "ميشيغان" الأمريكية – المسلمين برفع حالة اليقظة والحذر بعد ارتفاع وتيرة الأعمال التخريبية العنصرية ضد المساجد والمراكز الإسلامية. وتأتي هذه التحذيرات بعد أن قام مجهولون بكتابة عبارات على جدران مبانٍ تابعة لمسجد ومركز إسلامي بالمنطقة، تشير إلى مجموعة تنتمي إلى عصابات "مافيا تجارة المخدرات"، هذا إضافة إلى تعرُّض مبنى تابع للسيخ بالمنطقة للتخريب بعد أن ظنَّه المعتدون مسجدًا. كما قام "فرانك داي" - عضو اتحاد الدفاع الإنجليزي اليميني المتطرف - بتوزيع منشورات على صناديق بريد أهالي منطقة "كرويدون" جنوب "لندن" تطالب بمكافحة مشروع بناء مسجد ومركز إسلامي بالمنطقة. وأكد في المنشور - الذي أثار غضب المجتمع الإسلامي بالمنطقة - أنه يجب على الأهالي رفض المشروع، والتقدم بالشكاوى لمجلس المدينة؛ مما دفع عضو المجلس الإسلامي "بادشا قادير" لإبلاغ السلطات الأمنية التي باشرت التحقيق في الواقعة العنصرية. وقد اعترف "فرانك داي" بتوزيع المنشورات مفتخرًا بذلك وكاشفًا عن نشاطه في تعليم المواطنين كيفية التصدي لمحاولة المسلمين بناء دور المساجد والمراكز الإسلامية.
وفي فرنسا حيث الحفاظ على الحرية حق لكل مواطن تم العثور على عديد من الرسومات العنصرية المناهضة للإسلام على جدران مسجد "جلونيير" في "فرنسا"، وتم كتابة عبارات عنصرية على جدران المسجد مثل "لا للإسلام"، و"فرنسا للفرنسيين"، و"الإسلام خارج فرنسا"... ويأتي هذا التدنيس الجديد بعد تدنيس عشرات المساجد خلال الشهور الأخيرة. ومن جانبها، أدانت "جمعية النور الإسلامية" هذا الهجوم، ونددت في بيان لها بأن هذا العمل لا يمكن فصله عن المناخ المتوتر والتحريضات التي يمارسها قادة سياسيون تجاه السكان المهاجرين المسلمين. وطالبت الجمعية - في ذلك البيان أيضًا - السلطات ببذل كل الجهود للعثور على منفذي تلك الجريمة ومعاقبتهم بقسوة. كما أن "فرنسا" تعيش في الوقت الحالي حالة من الاستياء بسبب تدنيس المقابر ودور العبادة، وقد تأثرت المساجد بشكل خاص من تلك الأحداث المناهضة للإسلام. ووفقًا لموقع "تروفتاموسكي"؛ فإنه تم العثور على رسومات عنصرية على باب مسجد في "ميراماس" وعلى سياجه الحديدي، ووجد في وسط الرسومات اسم عمدة المدينة واسم رئيسة الجبهة الوطنية "مارين لوبن". يُذكر أن هذه هي المرة الثانية التي يتعرض فيها مسجد لهجمات مناهضة للإسلام خلال أشهر؛ فمنذ بضعة أيام تم العثور على رأسي خنزير في أرض مسجد معد للبناء في "نانتير" وقبل ذلك بأسبوع تَعَرَّض مسجد "مونتيني إن أوسترفا" لهجمات عنصرية ونازية. يبدو أن "فرنسا" ليست الدولة الوحيدة التي تتزايد فيها الأعمال المناهضة للإسلام؛ ففي مدينة "جاتينو" في مقاطعة "كيبيك" الكندية تم تدنيس المركز الإسلامي للمرة الثانية خلال أسبوع. ففي ليلة الأربعاء الماضية وجد شرطي الدورية كتابات تدعو للكراهية وشعارات مثل "إرهابيون" على جدران المسجد حوالي الساعة الرابعة والنصف فجرًا، وقد تم تدنيس هذا المبنى من قبل في أول يناير الجاري، بالرغم من أن المكان تحت مراقبة الشرطة. ومن جانبها، فقد قامت الشرطة بفتح تحقيق حول هذه الجريمة.
كذلك تصاعدت أعمال العنف والشغب بين المسلمين والنصارى في "مقدونيا" بعد المهرجان الذي نظمته بلدية "فيفتشاني". وبعد أن قام المسلمون بوقفة احتجاجية على ما حدث في المهرجان من إساءة للإسلام والمسلمين، تصاعدت الأحداث المعادية للمسلمين في مدينة "مانستير". هذا ويمثل المقدونيون الأغلبية العظمى من سكان مدينة "مانستير"، وفي هذه المدينة قام مجموعة مجهولة الهوية برسم صليب على باب مسجد "الإسحاقية" التاريخي الذي يعود تاريخ بنائه إلى القرن السادس عشر، والموجود في مركز مدينة "مانستير"، كما قام هؤلاء الأشخاص أيضًا بكتابة عبارة "الموت للألبان" على باب المسجد، ورسم صليب آخر على أحد جدران نفس المسجد.
أما في اليونان فحدث ولا حرج، فقد تقدم الراهب "سيرافيم" بطلب لمجلس السيادة في "اليونان" من أجل إلغاء قانون يتعلق ببناء المسلمين لمسجد بالعاصمة "أثينا". وورد في الأخبار اليونانية أن "سيرافيم" المعروف بآرائه اليمينية المتطرفة قد وصف هذا القانون المذكور أنه "وثيقة سب لأم المدن "المسيحية" بادعاء الديمقراطية". وقال رجل الدين الأرثوذكسي: إنه يجب ألا يقوم البرلمان اليوناني بالتصديق أبدًا على هذا القانون المتعلق ببناء مسجد للمسلمين من جديد في "أثينا"، كعرفان وشكر لكل المدن النصرانية. وكان "ماركس فوريديس" – وزير البنية التحتية والشبكات وعضو حزب الشعب الأرثوذكسي – قد أمر قبل ذلك بإيقاف الإجراءات اللازمة لبناء مسجد للمسلمين في "أثينا". وكان البرلمان اليوناني قد صدق على تحويل مبنى قديم بمنقطة "فوتانيكوس" إلى مسجد للمسلمين بأغلبية الأصوات في جلسة عقدت في شهر سبتمبر الماضي، في حين صوت بالرفض على هذا القانون كل النواب المنتمين لحزب الشعب الأرثوذكسي، وعددهم 15 عضوًا.
وأخيرًا، فقد أكدت الباحثة الهولندية "إينكي فان ديرفالك" في دراستها عن ممارسات العنف الناتجة عن الإسلاموفوبيا لصالح المركز الأوروبي المتوسطي للهجرة والتنمية emcemo - أن الفترة ما بين العامين 2005 و2010 شهدت وقوع 117 حادثة اعتداء على المساجد، إضافة إلى 43 حالة رسم عنصري على الجدران، وكذلك 37 حالة تخريب. وأشارت الباحثة إلى أنه في 99 جريمة لم يتم التوصل للجناة، وأن الجرائم من الصعب التعرف على ملابساتها بسبب عدم ترك الجناة لأثر، وحالات الاعتداء على المساجد تقل نسبيًّا بالمدن الكبرى التي تشهد كثافة سكانية إسلامية عالية. وذكرت "ديرفالك" أن الخط الساخن لشكوى التعرض للتمييز العنصري يتلقى شكاوى بصورة مستمرة من ضحايا مسلمين؛ حيث سُجلت 317 شكوى تشكل نسبة 20% من شكاوى العام الماضي.
وأخيرًا، بصراحة لم أكن أعلم أن مساجدنا لها كل هذا القدر من الاهتمام, عافى الله مساجد المسلمين في كل بقعة من بقاع الأرض من الحقد والحسد، وإلى الملتقى في موضوع آخر قريبًا إن شاء الله.
المصدر : المفكرة